الثلاثاء، 15 سبتمبر 2015

الخاتمة



فلله الحمدُ من قبلُ ومن بعد .. 


الحمد لله الذي بتوفيقه تتمُ الأمور، وبتيسيره يهونُ كل عسير ، أحمده سبحانه على إعانته وتوفيقه لي حتى أتممت تلخيص هذا الكتاب، بعد جولة ماتعة في ثنايا الأدب، ولازلت أردد بعضًا مما قرأت ، وتمر في فكري الأحداث، وكأنني عايشتها .. 


والناظرُ لأحوال أمتنا ، يرى وكأن التاريخ يعيدُ نفسه من جديد ، وكأن الأندلس تتمثل حاضرة في عددٍ من بلاد المسلمين ، من حيث المآسي المبكية من جهة ، والترف والنعيم والحيدة عن جادة الحق من جهةٍ أخرى .. والله المستعان ..


وليعذرني القارئ إذ أطلتُ في تلخيصي وقد سمي تلخيصًا ، ولربما كان بالإمكان أقلُ مما كان ، وإطالتي كانت لسببين:


1- هذا الضرب من الأدب لا يمكنُ اختصاره بكلمات نثريةٍ أو مقاليةٍ صِرفة ، فكان لزامًا علي أن أستشهد بأمثلةٍ شعرية أو نصوصٍ نثرية لتوضيح المعاني وسهولة الفهم، ولا ريب أن مضمون الأدب في العصر الأندلسي هو ما تركته لنا تلك الحقبة من أبيات أو نصوص.


2- هذا الملخص – من وجهة نظري- هو نتاجُ وقتٍ ممتعٍ قضيته في صحبة الكتاب، وكُل ما ذُكِرَ فيه أوردتُه لإفادتي أولاً ، ولإفادة القارئ ثانيًا ، حتى إذا ما أعدتُ الكتاب بقي لدي ما أستطيعُ الاعتمادَ عليه دون الرجوعِ إلى الكتاب وعمَت الاستفادة ، ويعلمُ اللهُ أني قد أذكر أبياتًا أحيانًا لا لشيء إلا لأنني معجبة بها ، وفي أكثر من مرة أحتارُ بأي الأبيات أستشهد فالأمثلة التي أعجبتني أكثر من أن تدون في ملخص.






وفي النهاية أودُ أن أتقدم بجزيل الشكر والامتنان لكل من قرأ ، ولكل من أبدى اهتمامه ودفعني للمواصلة ، ولمن أشرف ووجهني ونصحني .. 






وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا



الباب الرابع : فنون النثر الأندلسي (الخطابة + الرسائل + المناظرات + المقامات )

بعد أن أنهى الكاتب الحديث عن فنون الشعر في الأندلس بدأ بجانب آخر وهو النثر الفني في الأندلس.

في الفصل الأول يقارن الكاتب النثر بين المشارقة والأندلسيين ..

فيذكر أولاً المراحل التي مر بها النثر العربي في المشرق والخصائص والمميزات التي اعتمدت عليها كل مرحلة، ثم يبين أن كل جديد كان يطرأ على المشارقة يصل إلى الأندلس، وأشهر كاتب مشرقي تابعه الأندلسيون كان الجاحظ، فقد وصلت كتبه إليهم، وكان يقصده بعضهم طلبًا لعلمه، واحتذى حذوه ابن زيدون.وقد تأثروا أيضًا بابن العميد وكتبوا على غرار ما كُتِب وكذلك في مقامات بديع الزمان الهمذاني.

في الفصل الأخير من الكتاب يتطرق الكاتب للتحدث عن فنون النثر الأندلسي ذاكرًا أربعة منها: وهي الخطابة ، والرسائل على اختلاف أنواعها، والمناظرات الخيالية وغير الخيالية، والمقامات .

1-الخطابة:

وبدأ بالخطابة حيث عرفها بأنها " حديثٌ منطوق  تمييزًا لها عن الحديث المكتوب"
ثم كعادته في كتابه يذكر تطور الخطابة من قبل الجاهلية ومن العصر الأموي، بعدها يذكرُ الخطابة في العصر الأندلسي ويرى أنه كان من المتوقع أن تزدهر ازدهارًا عظيمًا نظرًا  لما مرت به الأندلس من انتصارات وغزوات متتابعة ، وأيضًا لما مرت به من تمزق وشتات لكن ما حصل كان العكس ، وما وصل من الخطب كان قليلاً جدًا، فبعضهم علل بأن الخطابة كانت زاهية في بداية الدولة الأندلسية وحتى عصر الطوائف وضعفت بعدها ، وقلة ما وصلنا من الخطب قد يكون راجعًا لتعذر التدوين ، وقد تكون أبيدت مع مع ما أباده الأسبان عندما استولوا على الأندلس، وهناك من يرى بأن الخطابة لم تنل العناية الكافية التي تناسب قدرها.

ثم ذكر عددًا من الخطب منها قول عبدالرحمن الداخل يوم حربه مع يوسف الفهري يُصبرهم : 

" هذا اليوم هو أس ما يُبنى عليه: إما ذُلُ الدهرِ وإما عزُ الدهر ، فاصبروا ساعة فيما لا تشتهون ، تربحوا بقية أعماركم فيما تشتهون "

- وفي عصر المرابطين ظهرت في الأدب الأندلسي القصائد والخطب التي تتضمن التورية بأسماء سور القرآن وهذا ما تميز به الأندلسيون في عصورهم المتأخرة، من ذلك خطبة القاضي عياض:

" الحمد لله الذي افتتح بفاتحة الكتاب سورة البقرة ليصطفي من آل عمران رجالاً ونساء وفضّلهم تفضيلاً، ومدّ مائدة أنعامه ورزقه ليعرف أعراف أنفال كرمه وحقّه على أهل التوبة وجعل ليونس في بطن الحوت سبيلاً، ونجّى هوداً من كربه وحزنه، كما خلّص يوسف من سجنه وجبّه، وسبّح الرعد بحمده ويمنه، واتخذ الله إبراهيم خليلاً، الذي جعل في حجر الحجر من النحل شراباً نوّع باختلاف ألوانه، وأوحى إليه بخفي لطفه سبحانه، واتخذ منه كهفاً قد شيد بنيانه، وأرسل روحه إلى مريم فتمثل لها تمثيلاً، وفضّل طه على جميع الأنبياء فأتى بالحج والكتاب المكنون، حيث دعا إلى الإسلام قد أفلح المؤمنون، إذ جعل نور الفرقان دليلاً، وصدّق محمداً صلى الله عليه وسلّم الذي عجزت الشعراء عن صدق نفثه، وشهدت النمل بصدق بعثه، وبين قصص الأنبياء في مدة مكثه......."

- وهناك الخطب الدينية المتصنعة مثل خطبة أحمد بن الحسن بن علي الزيات ، خطبة ألغى فيها الألف من حروفها: 

" حمدتُ ربِّي جل من كريم محمود، وشكرته عزَّ من عظيم موجود، ونزَّهْتُه عن جهل كلِّ مُلْحِد كفور، وقَدَّسْتُه عن قول كل مفسد غرور..... لو فهمت له كيفية لبطل قِدَمه، ولو عُلِمَت له كيفية لحَصَل عَدَمُه، ولو حُصِر في ظرف لقطع بتجسُّمه......"

-ومنها الخطب التي تحث على الجهاد.

2- الرسائل: 

بعدها يتطرق الكاتب إلى الرسائل وأنها تقسم إلى ديوانية وإخوانية، ويقال للديوانية
" السلطانية " وهي التي تصدر من ديوان الخليفة ويوجهها إلى الولاة والعمال وقادة الجيوش وأحيانًا إلى الأعداء(ترهيبًا).

ومثال ذلك رسالة لأبي حفص بن برد الأصغر على لسان من كان يكتب له من العامريين ، موجهة لقوم طلبوا الأمان من مولاه: 

" أما بعد، فإنكم سألتم الأمان أوان تلمظت السيوف إليكم ، وحامت المنايا عليكم، وهمت حظائر الخذلان أن تفرج لنا عنكم ، وأيدي العصيان أن تتحفنا بكم ..

ولو كِلنا لكم بصاعكم ، ولم نرعَ فيكم ذمة اصطناعكم ، لضاق عنكم ملبس الغفران، ولم ينسدل عليكم ستر الأمان، ولكنا علمنا أن كهولكم الخُلوف عنكم، وذوي أسنانكم المعاصين لكم، ممن يهاب وسمَ الخلعان، ويخاف سطو السلطان........"

ويشير إلى أن أسلوب الرسائل الديوانية لا يسير على وتيرة واحدة ، ولا يلتزم نمطًا واحدًا ، بل يتفاوت بتفاوت الأغراض وما تقتضيه الأحوال.

ثم يتطرق الكاتب إلى النوع الآخر وهي الرسائل الإخوانية وهي التي تدور بين الإخوان والأصدقاء والخلصاء وغيرها.

ولها 17 نوعًا : التهاني، والتعازي، والتهادي، والشفاعات، والتشوق، والاستزارة، واختطاب المودة، وخِطبة النساء، والاستعطاف، والاعتذار، والشكوى، واستماحة الحوائج، والشكر، والعتاب، والسؤال عن حال المريض، والأخبار، والمداعبة، ويندرج تحت بعض هذه الأنواع أنواع أخرى كثيرة. 

ومثال ذلك:

رسالة الوزير لسان الدين بن الخطيب بعثها إلى صديقه ابن خلدون واستهلها بأبيات ثم هذه الرسالة:

"أما الشوق فحدث عن البحر ولا حرج، وأما الصبر فسل به أية درج، بعد أن تجاوز اللوى والمنعرج، لكن الشدة تعشق الفرج، والمؤمن ينشق من روح الله الأرج، وأني بالصبر، على إبر الدبر. بل الضرب الهبر. ومطاولة اليوم والشهر حتى حكم القهر، وهل للعين أن تسلو سلو المقصر. عن إنسانها المبصر، أو تذهل ذهول الزاهد. عن سرها الرائي والمشاهد. وفي الجسد مضغة يصلح إذا صلحت فكيف حاله إن رحلت عنه ونزحت، وإذا كان الفراق هو الحمام الأول. فعلام المعول، أعيت مراوضة الفراق على الراق، وكادت لوعة الاشتياق، أن تفضي إلى السياق"

ثم يقارن الكاتب فيما بعدها من الصفحات بأساليب كتاب الرسائل الإخوانية وكتاب المشرق.


3-المناظرات:

يبدأ الكاتب بالقول بأن المناظرات هو فن يهدف الكاتب من وراءه إلى إظهار مقدرته البيانية وبراعته الأسلوبية في الموضوع الذي يكتب فيه.

تقسم المناظرات إلى قسمين:خيالية ومناظرات واقعية لا علاقة لها بالخيال.

من المناظرات الخيالية ما جاء على هيئة الرسالة مثل رسائل بن برد الأولى موجهة إلى الموفق أبي الجيش مجاهد العامري، وفيها يعقد مناظرة بين السيف والقلم ، والثانية موجهة إلى أبي الحزم بن جهور ، وفيها يقدم الورد ويفضله على سائر الرياحين.

وكان يقصد من هذه المناظرة أن يشتكي من التفرقة فرمز للسيف لرجال الجيش وبالقلم لأرباب الفكر ويطلب منهم الاتحاد.

ومن المناظرات غير الخيالية ما يشير إلى الفخر بمناقب الأندلس والمناظرة تكون بين مدن الأندلس، ومن ذلك رسالة ابن بحر بن ادريس إلى الأمير عبدالرحمن بن السلطان يوسف بن عبدالمؤمن بن علي والتي جعلها كمناظرة بين مدن الأندلس تقول كل مدينة فيها أنا الأحق بالأمير وأولى.

مثال:

" تميزت (حمص) غيظا. وكادت تفيظ فيظاً. وقالت: ما لهم يزيدون وينقصون ويطمعون ويحرصون. إن يتبعون إلا الظن وإن هم لا يخرصون. ألهم السهم الأسد. والساعد الأشد. والنهر الذي يتعاقب عليه الجزر والمد. أنا مصر الأندلس والنيل نهري. فحسبي أن أفيض في ذلك الشرف. وإن تحجبتم بأشرف اللبوس. فأي إزار اشتملتموه كشنتبوس. إلى ما شئت من أبنية رحاب. وروض يستغني بنضرته عن السحاب. قد ملأت زهراتي وهادا وأنجاداً. وتوشح سيف نهري بحدائقي نجادا. فأنا أولاكم بسيدنا الهمام وأحق. الآن حصحص الحق. 

فنظرتها (قرطبة) شزراً وقالت: لقد كثرت نزرا. وبذرت في الصخر الأصم بزرا. كلام العدى ضرب من الهذيان. وإني للإيضاح والبيان. متى استحال المستقبح مستحسنا. ومن أودع أجفان المهجور وسنا. ...إن ادعيتم سبقا. فما عند الله خير وأبقى. لي البيت المطهر الشريف. والاسم الذي ضرب عليه رواقه التعريف. في بقيعي محل الرجال الأفاضل. فليرغم أنف المناضل. وفي جامعي مشاهد ليلة القدر. فحسبي من نباهة القدر. فما لأحد أن يستأثر علي بهذا السيد الأعلى. ولا أرضى له أن يوطئ غير ترابي نعلا".



4-المقامات الأندلسية:

في نهاية الكتاب يتطرق الكاتب للمقامات الأندلسية ويعرفها لغة بأنها "المجلس، والسادة ، ومقامات الناس مجالسهم.

وسميت الأحدوثة من الكلام مقامة ، كأنها تذكر في مجلس واحد يجتمع فيه الجماعة من الناس لسماعها"

وأشهر من عُرف بمقاماته من المشرق هو (بديع الزمان الهمذاني).

أما الأندلسيون فقد عرفوا فن المقامة عن طريق من رحلوا منهم إلى الشرق طلبًا للعلم، من أشهر من كتب المقامات هو لسان الدين بن الخطيب، مثال على المقامات :

(مقامة أبي حفص الشهيد) 

وصف رحلته واستضافة بدوي له : " ثم قام من مكانه ، ودعا بصبيانه، وأغراهم بديكٍ له هرم ليذبحه في طاعة الكرم، وأدرك الديك ما يبيت له من الشر ، فوقف خطيبًا يذكر أهل البيت بأفضاله عليهم قائلاً: "أيها السادة الملوك! فيكم الشاب مُتِع بالشباب ، والأشيب نوَر شيبه مع الكواعب والأتراب، وقد صحبتكم مدة، وسبحت الله تعالى على رؤوسكم مِرارًا عدة ، أوقظكم بالأسحار، وأؤذن بالليل والنهار، وقد أحسنتُ لدجاجكم سفادا ، وربيتُ لكم من الفراريج أعدادا، فالآن حين بلي في خدمتكم تاجي أُنعى إلى دجاجي؟، وتُنحى الشفرة على أوداجي؟ ....."