الثلاثاء، 15 سبتمبر 2015

الخاتمة



فلله الحمدُ من قبلُ ومن بعد .. 


الحمد لله الذي بتوفيقه تتمُ الأمور، وبتيسيره يهونُ كل عسير ، أحمده سبحانه على إعانته وتوفيقه لي حتى أتممت تلخيص هذا الكتاب، بعد جولة ماتعة في ثنايا الأدب، ولازلت أردد بعضًا مما قرأت ، وتمر في فكري الأحداث، وكأنني عايشتها .. 


والناظرُ لأحوال أمتنا ، يرى وكأن التاريخ يعيدُ نفسه من جديد ، وكأن الأندلس تتمثل حاضرة في عددٍ من بلاد المسلمين ، من حيث المآسي المبكية من جهة ، والترف والنعيم والحيدة عن جادة الحق من جهةٍ أخرى .. والله المستعان ..


وليعذرني القارئ إذ أطلتُ في تلخيصي وقد سمي تلخيصًا ، ولربما كان بالإمكان أقلُ مما كان ، وإطالتي كانت لسببين:


1- هذا الضرب من الأدب لا يمكنُ اختصاره بكلمات نثريةٍ أو مقاليةٍ صِرفة ، فكان لزامًا علي أن أستشهد بأمثلةٍ شعرية أو نصوصٍ نثرية لتوضيح المعاني وسهولة الفهم، ولا ريب أن مضمون الأدب في العصر الأندلسي هو ما تركته لنا تلك الحقبة من أبيات أو نصوص.


2- هذا الملخص – من وجهة نظري- هو نتاجُ وقتٍ ممتعٍ قضيته في صحبة الكتاب، وكُل ما ذُكِرَ فيه أوردتُه لإفادتي أولاً ، ولإفادة القارئ ثانيًا ، حتى إذا ما أعدتُ الكتاب بقي لدي ما أستطيعُ الاعتمادَ عليه دون الرجوعِ إلى الكتاب وعمَت الاستفادة ، ويعلمُ اللهُ أني قد أذكر أبياتًا أحيانًا لا لشيء إلا لأنني معجبة بها ، وفي أكثر من مرة أحتارُ بأي الأبيات أستشهد فالأمثلة التي أعجبتني أكثر من أن تدون في ملخص.






وفي النهاية أودُ أن أتقدم بجزيل الشكر والامتنان لكل من قرأ ، ولكل من أبدى اهتمامه ودفعني للمواصلة ، ولمن أشرف ووجهني ونصحني .. 






وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا



الباب الرابع : فنون النثر الأندلسي (الخطابة + الرسائل + المناظرات + المقامات )

بعد أن أنهى الكاتب الحديث عن فنون الشعر في الأندلس بدأ بجانب آخر وهو النثر الفني في الأندلس.

في الفصل الأول يقارن الكاتب النثر بين المشارقة والأندلسيين ..

فيذكر أولاً المراحل التي مر بها النثر العربي في المشرق والخصائص والمميزات التي اعتمدت عليها كل مرحلة، ثم يبين أن كل جديد كان يطرأ على المشارقة يصل إلى الأندلس، وأشهر كاتب مشرقي تابعه الأندلسيون كان الجاحظ، فقد وصلت كتبه إليهم، وكان يقصده بعضهم طلبًا لعلمه، واحتذى حذوه ابن زيدون.وقد تأثروا أيضًا بابن العميد وكتبوا على غرار ما كُتِب وكذلك في مقامات بديع الزمان الهمذاني.

في الفصل الأخير من الكتاب يتطرق الكاتب للتحدث عن فنون النثر الأندلسي ذاكرًا أربعة منها: وهي الخطابة ، والرسائل على اختلاف أنواعها، والمناظرات الخيالية وغير الخيالية، والمقامات .

1-الخطابة:

وبدأ بالخطابة حيث عرفها بأنها " حديثٌ منطوق  تمييزًا لها عن الحديث المكتوب"
ثم كعادته في كتابه يذكر تطور الخطابة من قبل الجاهلية ومن العصر الأموي، بعدها يذكرُ الخطابة في العصر الأندلسي ويرى أنه كان من المتوقع أن تزدهر ازدهارًا عظيمًا نظرًا  لما مرت به الأندلس من انتصارات وغزوات متتابعة ، وأيضًا لما مرت به من تمزق وشتات لكن ما حصل كان العكس ، وما وصل من الخطب كان قليلاً جدًا، فبعضهم علل بأن الخطابة كانت زاهية في بداية الدولة الأندلسية وحتى عصر الطوائف وضعفت بعدها ، وقلة ما وصلنا من الخطب قد يكون راجعًا لتعذر التدوين ، وقد تكون أبيدت مع مع ما أباده الأسبان عندما استولوا على الأندلس، وهناك من يرى بأن الخطابة لم تنل العناية الكافية التي تناسب قدرها.

ثم ذكر عددًا من الخطب منها قول عبدالرحمن الداخل يوم حربه مع يوسف الفهري يُصبرهم : 

" هذا اليوم هو أس ما يُبنى عليه: إما ذُلُ الدهرِ وإما عزُ الدهر ، فاصبروا ساعة فيما لا تشتهون ، تربحوا بقية أعماركم فيما تشتهون "

- وفي عصر المرابطين ظهرت في الأدب الأندلسي القصائد والخطب التي تتضمن التورية بأسماء سور القرآن وهذا ما تميز به الأندلسيون في عصورهم المتأخرة، من ذلك خطبة القاضي عياض:

" الحمد لله الذي افتتح بفاتحة الكتاب سورة البقرة ليصطفي من آل عمران رجالاً ونساء وفضّلهم تفضيلاً، ومدّ مائدة أنعامه ورزقه ليعرف أعراف أنفال كرمه وحقّه على أهل التوبة وجعل ليونس في بطن الحوت سبيلاً، ونجّى هوداً من كربه وحزنه، كما خلّص يوسف من سجنه وجبّه، وسبّح الرعد بحمده ويمنه، واتخذ الله إبراهيم خليلاً، الذي جعل في حجر الحجر من النحل شراباً نوّع باختلاف ألوانه، وأوحى إليه بخفي لطفه سبحانه، واتخذ منه كهفاً قد شيد بنيانه، وأرسل روحه إلى مريم فتمثل لها تمثيلاً، وفضّل طه على جميع الأنبياء فأتى بالحج والكتاب المكنون، حيث دعا إلى الإسلام قد أفلح المؤمنون، إذ جعل نور الفرقان دليلاً، وصدّق محمداً صلى الله عليه وسلّم الذي عجزت الشعراء عن صدق نفثه، وشهدت النمل بصدق بعثه، وبين قصص الأنبياء في مدة مكثه......."

- وهناك الخطب الدينية المتصنعة مثل خطبة أحمد بن الحسن بن علي الزيات ، خطبة ألغى فيها الألف من حروفها: 

" حمدتُ ربِّي جل من كريم محمود، وشكرته عزَّ من عظيم موجود، ونزَّهْتُه عن جهل كلِّ مُلْحِد كفور، وقَدَّسْتُه عن قول كل مفسد غرور..... لو فهمت له كيفية لبطل قِدَمه، ولو عُلِمَت له كيفية لحَصَل عَدَمُه، ولو حُصِر في ظرف لقطع بتجسُّمه......"

-ومنها الخطب التي تحث على الجهاد.

2- الرسائل: 

بعدها يتطرق الكاتب إلى الرسائل وأنها تقسم إلى ديوانية وإخوانية، ويقال للديوانية
" السلطانية " وهي التي تصدر من ديوان الخليفة ويوجهها إلى الولاة والعمال وقادة الجيوش وأحيانًا إلى الأعداء(ترهيبًا).

ومثال ذلك رسالة لأبي حفص بن برد الأصغر على لسان من كان يكتب له من العامريين ، موجهة لقوم طلبوا الأمان من مولاه: 

" أما بعد، فإنكم سألتم الأمان أوان تلمظت السيوف إليكم ، وحامت المنايا عليكم، وهمت حظائر الخذلان أن تفرج لنا عنكم ، وأيدي العصيان أن تتحفنا بكم ..

ولو كِلنا لكم بصاعكم ، ولم نرعَ فيكم ذمة اصطناعكم ، لضاق عنكم ملبس الغفران، ولم ينسدل عليكم ستر الأمان، ولكنا علمنا أن كهولكم الخُلوف عنكم، وذوي أسنانكم المعاصين لكم، ممن يهاب وسمَ الخلعان، ويخاف سطو السلطان........"

ويشير إلى أن أسلوب الرسائل الديوانية لا يسير على وتيرة واحدة ، ولا يلتزم نمطًا واحدًا ، بل يتفاوت بتفاوت الأغراض وما تقتضيه الأحوال.

ثم يتطرق الكاتب إلى النوع الآخر وهي الرسائل الإخوانية وهي التي تدور بين الإخوان والأصدقاء والخلصاء وغيرها.

ولها 17 نوعًا : التهاني، والتعازي، والتهادي، والشفاعات، والتشوق، والاستزارة، واختطاب المودة، وخِطبة النساء، والاستعطاف، والاعتذار، والشكوى، واستماحة الحوائج، والشكر، والعتاب، والسؤال عن حال المريض، والأخبار، والمداعبة، ويندرج تحت بعض هذه الأنواع أنواع أخرى كثيرة. 

ومثال ذلك:

رسالة الوزير لسان الدين بن الخطيب بعثها إلى صديقه ابن خلدون واستهلها بأبيات ثم هذه الرسالة:

"أما الشوق فحدث عن البحر ولا حرج، وأما الصبر فسل به أية درج، بعد أن تجاوز اللوى والمنعرج، لكن الشدة تعشق الفرج، والمؤمن ينشق من روح الله الأرج، وأني بالصبر، على إبر الدبر. بل الضرب الهبر. ومطاولة اليوم والشهر حتى حكم القهر، وهل للعين أن تسلو سلو المقصر. عن إنسانها المبصر، أو تذهل ذهول الزاهد. عن سرها الرائي والمشاهد. وفي الجسد مضغة يصلح إذا صلحت فكيف حاله إن رحلت عنه ونزحت، وإذا كان الفراق هو الحمام الأول. فعلام المعول، أعيت مراوضة الفراق على الراق، وكادت لوعة الاشتياق، أن تفضي إلى السياق"

ثم يقارن الكاتب فيما بعدها من الصفحات بأساليب كتاب الرسائل الإخوانية وكتاب المشرق.


3-المناظرات:

يبدأ الكاتب بالقول بأن المناظرات هو فن يهدف الكاتب من وراءه إلى إظهار مقدرته البيانية وبراعته الأسلوبية في الموضوع الذي يكتب فيه.

تقسم المناظرات إلى قسمين:خيالية ومناظرات واقعية لا علاقة لها بالخيال.

من المناظرات الخيالية ما جاء على هيئة الرسالة مثل رسائل بن برد الأولى موجهة إلى الموفق أبي الجيش مجاهد العامري، وفيها يعقد مناظرة بين السيف والقلم ، والثانية موجهة إلى أبي الحزم بن جهور ، وفيها يقدم الورد ويفضله على سائر الرياحين.

وكان يقصد من هذه المناظرة أن يشتكي من التفرقة فرمز للسيف لرجال الجيش وبالقلم لأرباب الفكر ويطلب منهم الاتحاد.

ومن المناظرات غير الخيالية ما يشير إلى الفخر بمناقب الأندلس والمناظرة تكون بين مدن الأندلس، ومن ذلك رسالة ابن بحر بن ادريس إلى الأمير عبدالرحمن بن السلطان يوسف بن عبدالمؤمن بن علي والتي جعلها كمناظرة بين مدن الأندلس تقول كل مدينة فيها أنا الأحق بالأمير وأولى.

مثال:

" تميزت (حمص) غيظا. وكادت تفيظ فيظاً. وقالت: ما لهم يزيدون وينقصون ويطمعون ويحرصون. إن يتبعون إلا الظن وإن هم لا يخرصون. ألهم السهم الأسد. والساعد الأشد. والنهر الذي يتعاقب عليه الجزر والمد. أنا مصر الأندلس والنيل نهري. فحسبي أن أفيض في ذلك الشرف. وإن تحجبتم بأشرف اللبوس. فأي إزار اشتملتموه كشنتبوس. إلى ما شئت من أبنية رحاب. وروض يستغني بنضرته عن السحاب. قد ملأت زهراتي وهادا وأنجاداً. وتوشح سيف نهري بحدائقي نجادا. فأنا أولاكم بسيدنا الهمام وأحق. الآن حصحص الحق. 

فنظرتها (قرطبة) شزراً وقالت: لقد كثرت نزرا. وبذرت في الصخر الأصم بزرا. كلام العدى ضرب من الهذيان. وإني للإيضاح والبيان. متى استحال المستقبح مستحسنا. ومن أودع أجفان المهجور وسنا. ...إن ادعيتم سبقا. فما عند الله خير وأبقى. لي البيت المطهر الشريف. والاسم الذي ضرب عليه رواقه التعريف. في بقيعي محل الرجال الأفاضل. فليرغم أنف المناضل. وفي جامعي مشاهد ليلة القدر. فحسبي من نباهة القدر. فما لأحد أن يستأثر علي بهذا السيد الأعلى. ولا أرضى له أن يوطئ غير ترابي نعلا".



4-المقامات الأندلسية:

في نهاية الكتاب يتطرق الكاتب للمقامات الأندلسية ويعرفها لغة بأنها "المجلس، والسادة ، ومقامات الناس مجالسهم.

وسميت الأحدوثة من الكلام مقامة ، كأنها تذكر في مجلس واحد يجتمع فيه الجماعة من الناس لسماعها"

وأشهر من عُرف بمقاماته من المشرق هو (بديع الزمان الهمذاني).

أما الأندلسيون فقد عرفوا فن المقامة عن طريق من رحلوا منهم إلى الشرق طلبًا للعلم، من أشهر من كتب المقامات هو لسان الدين بن الخطيب، مثال على المقامات :

(مقامة أبي حفص الشهيد) 

وصف رحلته واستضافة بدوي له : " ثم قام من مكانه ، ودعا بصبيانه، وأغراهم بديكٍ له هرم ليذبحه في طاعة الكرم، وأدرك الديك ما يبيت له من الشر ، فوقف خطيبًا يذكر أهل البيت بأفضاله عليهم قائلاً: "أيها السادة الملوك! فيكم الشاب مُتِع بالشباب ، والأشيب نوَر شيبه مع الكواعب والأتراب، وقد صحبتكم مدة، وسبحت الله تعالى على رؤوسكم مِرارًا عدة ، أوقظكم بالأسحار، وأؤذن بالليل والنهار، وقد أحسنتُ لدجاجكم سفادا ، وربيتُ لكم من الفراريج أعدادا، فالآن حين بلي في خدمتكم تاجي أُنعى إلى دجاجي؟، وتُنحى الشفرة على أوداجي؟ ....." 

الاثنين، 14 سبتمبر 2015

فنون الشعر الأندلسي المحدثة ( الزجل+ الاستغاثة)


 الزجل:

ثاني فنون الشعر الأندلسي المستحدثة هو الزجل ، ولم يُعرف مخترعها أو يشار إليه إلا أنه قد أشير إلى أبي بكرٍ بن قرمزان بأنه مبدع فن الزجل فاشتهرت عنده وفي زمانه " عصر المرابطين " ولكنها كانت تُقال قبل هذا العصر، يقول بن خلدون عن الزجل " ولما شاع فن التوشيح في الأندلس.........، نسجت العامة من أهل الأمصارِ على منواله، ونظموا في طريقته بلغتهم الحضرية من غير أن يلتزموا فيه إعرابًا .... فجاءوا فيه بالغرائب ، واتسع فيه للبلاغة مجال بحسب لغتهم المستعجمة".


يتحدث الكاتب عن تطور الزجل، ويقسم الزجل إلى نوعين:
1-  زجلُ العامة وشعر العامة:
 ويتمثل في الأغنية الشعبية العامية، التي تتولد تلقائيًا بباعث تجربة شخصية أو من موقف معين، ثم تشيع أو تغنى على ألسن الناس.


2- زجل الشعراء المعربين .

ويتحدث الكاتب بعدها عن موضوعات الزجل وهي نفسها فنون الشعر التقليدية المعروفة، وقد ظهر التصوف في الزجل وأول من استخدمه هو أبو الحسن الششتري.


مثال الزجل قول ابن قزمان:

يا شرابًا مُر ما أحــــلاك!
علقم أتّ[2] ممزوج بسكّـــر


بالذي رَزَقـــــــنَ حُبَك
من نَثر عليـــــــك جوهر؟


وترى لش[1] تشتكي ضُر؟
لش نراك رقيق أصـــــــــفر


ما أظن إلا ألـــــــــم بِيـــــك 
أو مليح لاشـــــــك تَعشـــــــق 


وقد تتفق القصائد الزجلية مع القصائد المعربة التقليدية في التزام الوزن الواحد ، والقافية الواحدة ، والمطلع المصرَع، وتختلف عنها في اللحن والإعراب واللغة، ويذكر الكاتب أن قيمة الزجل ليست في تنوع أشكاله وأوزانه ولا في الأساليب البيانية أو البديعية وإنما تكمن قيمته الحقيقية فيما استمده من واقع الحياة العامة، ممثلاً في الجديد من معانيهم وحكمهم وأمثالهم، والابتكارات في تشبيهاتهم.


" والذي أستخلصته أن الزجل يشابه الشعر النبطي أو الشعر الشعبي في زمننا هذا" 



3- الاستغاثة : 


وثالث فنون الشعر الأندلسي المستحدثة هو فن الاستغاثة، ونبع هذا الفن من عاطفتهم المشبوبة تجاه الأندلس لما رأوا المدن تتساقط واحدة تلو الأخرى والممالك تنسل من بين أيديهم ، فخرج هذا الفن من عمق المأساة وهم يستنهضون الملوك.


والقصائد التي استشهد بها الكاتب كثيرة وموجعة نذكر منها استغاثة زيان بن أبي الحجاج ملك شرق الأندلس ، بسلطان تونس أبي زكريا بن أبي حفص : 


أدرك بخيــلك خيــل الله أنـدلســا

إن السبيـــل إلى منجاتهــا درسـا



وهب لها من عزيز النصر ما التمست
فلم يـــزل منـك عـــز النصـر ملتمسا


يا للجزيرة أضحى أهلها جزراً
للحادثــات وأمسى جـــدها تعــــسا


في كل شـارقة إلمام بائقـــة
يـــــعود مأتمهـا عند الــعدا عرسا!


وفي بلنــسية مــنها وقـــرطبة
ما ينسف النفس أو ما يــنزف النفس


مدائن حلها الإشـــراك مبتســــماً
جذلان، وارتـحل الإيمـــان مبتئسا


وصيرتهــا العوادي العــائثـات بها
يستوحش الطـرف منها ضعف ما أنسا


يـــا للمسـاجد عــادت للعدا بيعاً

وللنـــداء غــدا أثنــاءها جـرسا



وهذه استغاثة الفقيه محمد الثاني بن الأحمر ملك غرناطة بسلطان المغرب يعقوب بن عبدالحق المريني، وهي من نظم كاتبه أبي عمر بن المرابط:

هل من معين في الهوى أو منجد
من متهِمٍ في الأرض أو من منجِدِ؟

هذي سبيل الرشد قد وضَحَت فهل
بالعُدوَتين من امرئ مسترشــــد

هذا الجهادُ رئيسُ أعمال التقى
خذ منه زادك لارتحالك تسعدِ

هذا الرباط بأرض أندلسٍ فرُح
منــــه لما يُرضي إلهك واغتدِ


من ذا يُطهِرُ نفسه بعـــــزيمةٍ
مشحوذة في نصر دين محمدِ؟


ومنها:


كم جامعٍ فيها أعيد كنيسة 
فاهلك عليه أسى ولا تتجلدِ


أسفًا عليها أقفرت صلواتُها
من قانتين وراكعين وسُجدِ!

...


أفلا تذوب قلوبكم إخواننــا
مما دهانا من ردىً أو من ردي؟!


أكذا يعيث الروم في إخوانكم؟
وسيوفكم للثـــأرِ لم تتقلدِ 






فأجابه السلطان من نظم شاعره عبدالعزيز: " لبيك لا تخش اعتداء المعتدي!"



[1] لش: لماذا؟


[2]أت: أنت

الأحد، 13 سبتمبر 2015

ثالثًا: فنون الشعر الأندلسي المحدثة (الموشحات )


آخر فصول فنون الشعر الأندلسي يتطرق إلى فنون الشعر الأندلسي المحدثة ، وقد استحدثها الأندلسيون ثم قلدهم بعدها المشارقة وغيرهم من المغاربة .


1- الموشحات :

وأول الفنون الشعرية المحدثة وأبرزها هي الموشحات ويعرفه عدة تعاريف منها تعريف القاضي هبة الله بن سناء " الموشح كلام منظوم ، على وزن مخصوص، بقوافٍ مختلفة، وهو يتألف في الأكثر من ستة أقفال وخمسة أبيات ويقال له: التام ، وفي الأقل من خمسة أقفال وخمسة أبيات ويقال له : الأقرع ، فالتام ما ابتُدئَ فيه بالأقفال، والأقرع ما ابتدئ فيه بالأبيات".


ويعرجُ الكاتب إلى سبب تسمية الموشحات بهذا الاسم فمنهم من قال أن أصله من الوشاح الذي تتوشح به المرأة والمرصع بالجواهر واللؤلؤ، فكذلك زُينت الأبيات حالها حال الجواهر واللآلئ.


بعدها يتحدث الكاتب عن نشأة الموشحات وأنه اختلف في من اخترع هذه الموشحات ، فبعضهم قال أنها ترجع لمحمد بن محمود القبري ، وبعضهم قال أنه ابن عبد ربه ، وأنها تطورت ونبغت في عهد ملوك الطوائف على يد أبي بكر عبادة بن ماء السماء في القرن الخامس.


ونأتي بعد نشأة الموشحات إلى بناء الموشح وأنه يتكون من أجزاء:


1- المطلع : وهو القفل الأول من الموشحات ويتألف من شطرين أو أربعة أشطر، وقد تختلف قافية الشطرين، ويسمى الموشح " تامًا" إذا بدأ بمطلع أو القفل الأول وإن خلا منه يسمى " أقرع".


2- القفل: هو الجزء المتكرر في الموشحة والمتفق مع المطلع أو القفل الأول في وزنه وقافيته وعدد أجزاءه يتردد في الموشح التام 6 مرات والأقرع خمس مرات.


3- الخرجة: هي عبارة عن القفل الأخير في الموشحة ، والأقفال والخرجة هما الأجزاء الأساسية في الموشحة، أما المطلع فليس أساسيًا، ولها ثلاث أنواع :

أ- خرجة معربة لألفاظ فصيحة.
ب-خرجة ملحونة لألفاظ عامية.
ج- خرجة أعجمية الألفاظ.

والأخيرتان تكثران في الموشحات المغناة.


3- الغصن : وهو اسم اصطلاحي لكل شطر في الموشحة سواء أكان من أشطر المطلع أو الأقفال أو الخرجة ، وتتساوى الأقفال والخرجة مع المطلع من حيث عدد الأغصان وترتيبها وقوافيها، وأقلها غصنان ، وأكثرها أربع.

4- الدور: ما يأتي بعد المطلع في الموشح التام أو مستهِلاً في الموشح الأقرع.

5-السمط : هو اسم اصطلاحي لكل شطر من أشطر الدور ، ولا تقل في الدور الواحد عن ثلاثة، وقد يكون مفردًا مكونًا من فقرة واحدة أو مركبًا مكونًا من فقرتين أو مركبًا بأكثر من فقرتين مثال: 

بدرُ تمّ * شمسُ ضحى * غصنُ نقا * مسكُ شــمّ
ما أتمّ * ما أوضـحا* ما أورقـــــــا* ما أنَــــمَ
لا جــــرم* من لمحـا*قد عشِقــــا* قـــد حُرم

6- البيت: ويختلف مفهومه عن القصيدة التقليدية فهو يتكون من الدور ومن القفل الذي يليه مجتمعين، ويقسم البيت إلى بسيط ومركب.


وقد أعددتُ هذا الرسم التوضيحي لأقسام الموشحة كي يسهل فهمها ، وهي لموشحة أبي بكر بن زُهر الأشبيلي التي استعان بها الكاتب لتقريب الصورة:

***  



يتطرق الكاتب بعدها إلى أوزان الموشحات ويقسمها كما قسمها ابن سناء الملك إلى خمسة أقسام:


1- ما جاء على أوزان الشعر المعروفة، وفي نظره أنه لا يرجع لها إلا الضعفاء.


2- ما جاء على أوزان الشعر المعروفة، مع اختلاف في قوافي الأقفال.


3- ما جاء على أوزان الشعر المعروفة،وتخللت أقفالها وأبياتها كلمة أو حركة ملتزمة (كسرة أو فتحة أو ضمة)، يخرجها عن أن تكون شعرًا صرفًا.


4- ما خرج منها على أوزان الشعرالمعروفة، ولا وزن لها إلا التلحين، ولا يفتقر إلى ما يعينه عليه.


5- الوزن الأخير يتمثل في الموشحات التي لا وزن لها إلا التلحين لكنه بحاجة إلى لفظة لا معنى لها ، تكون دعامة للتلحين وسندًا للمعنى.


مثال: قول ابن بقي:


مَن طالبٌ ثار قتلي ** ظبياتُ الحُدوج ** فتّانات الحجيج


فإن اللحن في هذا لا يستقيم إلا بإضافة ما يدعم اللحن كإضافة (لا لا ) بين الجزئين الجيمين من هذا الوزن.



بعدها يعرُج الكاتب فيذكر فنون الموشحات التي تُقال فيها وأنها واكبت ظهور فن الغناء في الأندلس، وتطورت موضوعاتها في معظم فنون الشعر من غزل ومدح ورثاء وهجاء وتصوف وغيرها، ويذكر أمثلة كثيرة عليها، ولعل أشهر أمثلتها (عندي):


جادَكَ الغيْثُ إذا الغيْثُ هَمى*** يا زَمانَ الوصْلِ بالأندَلُسِ


لمْ يكُنْ وصْلُكَ إلاّ حُلُمـا***في الكَرَى أو خِلسَةَ المُخْتَلِسِ


***


إذْ يقودُ الدّهْرُ أشْتاتَ المُنَى*** تنْقُلُ الخَطْوَ علَى ما ترسمُ


زُمراً بيْنَ فُـــرادَى وثُنَـــــا *** مثْلَما يدْعو الوفودَ الموْسِمُ


والحَيا قدْ جلّلَ الرّوضَ سَنا ***فثُغـــــورُ الزّهْرِ فيهِ تبْسِمُ


ورَوَى النّعْمانُ عنْ ماءِ السّما ***كيْفَ يرْوي مالِكٌ عنْ أنسِ


فكَساهُ الحُسْنُ ثوْباً مُعْلَما *** يزْدَهي منْهُ بأبْهَى ملْبَسِ











......،

الخميس، 10 سبتمبر 2015

فنون الشعر الأندلسي الموسعة ( رثاء المدن والممالك + الشعر التعليمي)



3- رثاء المدن والممالك

وثالث فنون الشعر الأندلسي الموسعة هي رثاء المدن والممالك ، يقول الكاتب أن هذا الفن يعتبر نادرًا عند المشارقة مثل قصيدة ابن الرومي لكنهم لم يتوسعوا فيه كتوسع الأندلسيين ولا عجب! ؛ فقد سقطت المدن مدينة بعد مدينة عند الأندلسيين وكان هذا مصابًا جللًا عندهم يستحق الرثاء.

ومن أروع الأبيات المشهورة في رثاء الأندلس وتصوير النكبة هي أبيات أبي البقاء الرندي وهذه المرثية الشاكية الباكية: 



لِكُلِّ شَيءٍ إِذا ما تَمّ نُقصانُ 
فَلا يُغَرَّ بِطيبِ العَيشِ إِنسانُ 


هِيَ الأُمُورُ كَما شاهَدتُها دُوَلٌ 
مَن سَرّهُ زَمَن ساءَتهُ أَزمانُ 

وَهَذِهِ الدارُ لا تُبقي عَلى أَحَدٍ 
وَلا يَدُومُ عَلى حالٍ لَها شانُ


4- الشعر التعليمي(الشعر العلمي)

من فنون الشعر العلمي الموسعة وهو يبتعد بالمعنى الخاص عن الشعر العاطفي أو المؤثر ، وإنما يتشابه في كونه نظمًا ، ويأتي بصيغة الأراجيز غالبًا، وتستخدم في المتون العلمية والكتب، لأن حفظ الشعر أهون على النفس، وإذا حُفظ كان أعلق وأثبت ، وإذا أحتيج لضرب المثل كان مثلاً ، ومن أمثلة ذلك في علم النحو ألفية ابن مالك، وألفية لسان الدين بن الخطيب في الفقه، وأرجوزته في الطب وغيرها.

مثال على هذه الأراجيز أرجوزة أبي طالب بن عبد الجبار في التاريخ التي تتألف من 455 بيتًا المنظومة في الأحداث التاريخية :



ثم تمادت هذه الطوائف ***تخلفهم من آلهم خوالف 

دانت بدين الجور والعدول ***إذ سلبت عقائل العقول 

فأهملوا البلاد والعبادا ***وعطلوا الثغور والجهادا 

واشتغلت أذهانهم بالخمر ***وبالأغاني وسماع الزمر 

وزادهم في الجهل والخذلان ***أن ظاهروا عصابة الصلبان 

لما طوت صدورهم من غل ***ولاختيار البعض حال الكل





.......، 



الأربعاء، 9 سبتمبر 2015

فنون الشعر الأندلسي الموسعة (شعر الطبيعة )


يتحدث الكاتب بداية عن وصف الطبيعة في الشعر العربي القديم وفي العصر الجاهلي، ووصفُهم لبلاد الشام والعراق، أما في الشعر الأموي، فنرى وصفًا للديار والأطلال وبعض الحيوانات، وكذلك وصف الخمر، أما في العصر العباسي فقد أكثروا من وصف الخمر والرياض المنتشرة، ومنهم قول البحتري:




أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكًا 

من الحسن حتى كاد أن يتكلما





ثم يتطرق للشعر عند الأندلس وأنهم قد فاقوا أصحابهم المشارقة كمًا وكيفًا والسبب الأساسي هي طبيعة الأندلس التي عبرت عن نفسها أجمل تعبير والسبب الثاني لازدهار الشعر في الطبيعة هو حياة اللهو والاستمتاع التي كان يمارسها الشعراء مثل مجالس اللهو والطرب.

ثم يذكر الكاتب السمات العامة لشعر الطبيعة الأندلسي :

1- غلبة التشبيه والاستعارة على أساليبهم.

2- تشخيص الأمور المعنوية وتجسيمها.

3- بث الحياة والنطق في الجمادات.

4- الاستعانة ببعض العناصر البلاغية كالجناس والطباق والمقابلة والمبالغة وغيرها.

5- إطلاق العنان للخيال واختيار المعاني التي توحي بالحضارة والطرافة.

6- التصرف في أرق فنون القول، واختيار الألفاظ الملائمة لتصوير الطبيعة.

7- تصوير شعرهم لطبيعة الأندلس الحية، والطبيعة الصامتة، والطبيعة الصناعية (كالحضارة العمرانية).

8- غالبًا ما يأتي شعر الطبيعة ممزوجًا بأغراض أخرى كالغزل والمدح وغيرها.


بعدها يتحدث الكاتب عن اتجاهات الاندلسين في شعر الطبيعة :

أ- التغني بجمال طبيعة بلادهم فمنهم من مدح الأندلس كلها ومنهم من اقتصر على مدينة .

مثال النوع الاول قول ابن سفر المريني :

في أرض أندلسٍ تلتذّ نعماء 
ولا يفارق فيها القلب سرّاء

وليــــس في غيرها بالعيش منتفعٌ 
ولا تقوم بحق الأنس صهباء 


وأيـــن يعدل عن أرضٍ تحضّ بها 

على المدامة أمواهٌ وأفياء

وكيف لا يبهج الأبصار رؤيتها 
وكلّ روضٍ بها في الوشي صنعاء 


أنهـــارها فضةٌ ، والمسك تربتها 
والخزّ روضتها، والدّرّ حصباء 




ومن النوع الثاني قول الشاعر ابو عمر بن مالك في وصف مدينة (شِلب):


أشجاك النسيــــــــم حين يهـــــــبّ 
أم هتونٌ من الغمامــــة سكــــب


أم هتوفٌ على الأراكــة تشدو 

أيّ صـــبٍّ دموعـــه لا تصــبّ

كلّ هـــذاك للصّبابـــــة داعٍ 

أم سنى البرق إذ يخبّ ويخبــــو

أنا لولا النسيــــــم والبرق والور 

ق وصــوب الغمام ما كنت أصبو

ذكرتــــــني شلبـــاً وهيهـــات منّي 
بعدما استحكــــــــــم التّباعد شلب 



ب- وصف مجالي لطبيعة الأندلس :

فقد تأنقوا في تصوير الرياض مثال قول ابن مرج الكحل في وصف روضة يتخللها نهر :
وعشيةٍ كم كنت أرقب وقتَهـــــا 

سمحــــــــــــــــت بها الأيام بعد تعذرِ

فالروض بين مفضضٍ ومذهب

والزهر بين مدَرهَم ومــــــدَنرِ   

والورقُ تشدو ، والأراكةُ تنثني 

والشمسُ ترفل في قميصٍ أصفر

والنهرُ مرقوم الأباطِح والربــــــا 

بمصندلٍ من زهرِه ومعَصـــــفَرِ

وكـــــأنه وكــــأن خضــرة شطِهِ 

سيف يسل على بساط أخضر

نهر يهيـــــــم بحُسنه من لم يهِـــــم 

ويُجيدُ فيه الشعر من لم يشعُر

ما اصفرَ وجهُ الشمسِ عند غروبها 
إلا لفُرقــة حُسنِ ذاك المنظرِ 


وفي وصف الرعد والبرق ، كقول مروان بن عبدالرحمن :


فكأن الغمام صب عميد 

أن بالرعد حرقة واشتكاء

وكأن البروق نار جواه 
والحيا دمعه يسيل بكــــاء 



كذلك وصف الثمرات فهذا وصف لرمانة :

ولابـــــــسة صدفاً أحمــــــرا 

أتتك وقد ملئت جوهــــــرا

كــــــــــأنّك فاتح حقّ لــطيفٍ 

تضمّن مرجانه الأحمــرا

حبــــــــوباً كمثــــل لثات الحبيب 
رضاباً إذا شئت أو منظـــــــــــرا 




ج- وصف مجالس الأندلس :

وأغلب سماتها :

1- غلبة الارتجال عليه.

2- قلة القصائد الطوال، كثرة المقطوعات.

3- كثرة عنصر الخيال فيه.

4- استخدام الألفاظ التي تتضافر بما لها من خصائص معينة على بناء الصور الشعرية التي تروق لحاسة أو اكثر من الحواس.

5- تنوع الصور الشعرية بتنوع العناصر التي تتركب معها .



ومن أشعار مجالس الأندلس ( أو كما يسمونها مجالس الأنس!!) وصف الخمر ووصف أثرها في نفوس شاربيها مثال ذلك قول أبي بكر محمد بن عبدالملك بن زُهر:


وموسدين على الأكف خدودهم 

قد غالهم نوم الصباحِ وغالني

ما زلت أسقيهم وأشرب فضلهم 

حتى سكرت ونالهم ما نالـــــني

والخمر تعرف كيف تأخذ حقها 
إني أَملتُ إناءهــــا فأمالـــــني 


د- وصف قصور الأندلس :

وقد وصف الأندلسيون القصور الفاخرة ومنهم من رثاها بعد خرابها، ومن طرق وصف القصور :

1- الوقوف في الوصف عن حد القصر وحده، أو مزج وصفه بمدح صاحبه .

2- من طرائقهم التوسع في وصف القصور وذلك لتصوير جوانبها الفنية تصويرًا يذهب الخيال فيه مذاهب، هذا مع استمرار امتزاج هذا الوصف بالمدح.

3- من طرائقهم التفجع على القصور والديار التي ماتت بموت أصحابها أو رحيلهم ، مثلما وقف الوزير أبو الحزم على قصور الأمويين التي تقوضت أبنيتها:

قلت يومًا لدار قومٍ تفانوا

أين سُكانُكِ العِزازُ علينـــا ؟   

فأجابت : هنا أقاموا قليلاً 
ثم ساروا ... ولستُ أعلمُ أينا! 




.......،







الثلاثاء، 8 سبتمبر 2015

ثانيًا : فنون الشعر الأندلسي الموسعة (شعر الحنين)


وكما عرفنا فنون الشعرالموسعة سابقًا ، "هي الفنون التي لا تخرج عن كونها من الفنون التقليدية ولكن الأندلسيون توسعوا في القول فيها لوجود مقتضيات هذا التوسع في مجتمعهم مثل: الحنين، شعر الطبيعة، رثاء المدن والممالك، والشعر التعليمي".


1- الحنين


قد لحق الأندلسيون إخوانهم المشارقة في شعر الحنين، وفاقوهم كمًا وكيفًا، والسبب في ذلك يعود إلى أن معظم الأندلسيين رحلوا إلى الشرق طلبًا للعلم فحنوا إلى ديارهم، والسبب الثاني أن معظم من رحلوا إلى الأندلس كانوا شعراء وأدباء، والاغتراب أشد ما يبعث في النفس الحنين.

وأهم موضوعات قصائد الحنين تدور على : الشوق إلى الأوطان، تجاربهم الذاتية في بلاد الغربة، تصوير ملاعب الصبا، ذكر أيامهم وعهودهم السعيدة في ديارهم، مدحُ الاغتراب عند بعضهم وذمه عند الآخرين، المزج بين الحنين والطبيعة في في الصور الشعرية، وغيرها كثير ...

مثالُ ذلك قول أبي بكر محمد بن زُهر في شوقه لولده الصغير في إشبيلية، وهو بمراكش: 





وَلي واحِدٌ مِثل فَرخِ القطا ***صَـــغيرٌ تَخلَّـفَ قَلبي لَدَيه 

وأُفردتُ عنه فَيا وَحشَتي ***لِذاكَ الشُّخيصِ وَذاكَ الوُجَيه

تَشَوَّقَني وَتَشَوَّقتُهُ ***فَيَبكـي عَــلَيَّ وَأَبكــي عَلَيــه 

وَقَد تَعِب الشَوق ما بَينَنا *** فَــمِنهُ إِليَّ وَمَـــنّي إِلَــــيه 


- ومن شعر الحنين " كنزُ الأدب" لأبي القاسم عامر بن هشام القرطبي لما زين له بعض أصحابه الرحلة إلى ملك الموحدين بمراكش(أبيات مختارة من القصيدة):

يا هبّة باكرت من نحو    دارين 
وافت إليّ على بعدٍ تحيّيني
ســرت على صفحات النهر ناشرة 
جناحها بين خيريّ ونسرين 

ردّت إلى جسدي روح الحياة وما 
خِلت النسيم إذا ما متّ يحييني 

يا من يزيّن لي الترحال عن بلدي 
كم ذا تحاول نسلاً عند عنّين 

وأين يعدل عن أرجاء قرطبة 
من شاء يظفر بالدّنيا وبالدين 

قطرٌ فسيحٌ ونهر ما به كدرٌ 
حفّت بشطّيه ألفاف البساتين

يا آمري أن أحثّ العيش عن وطني 
لمّا رأى الرزق فيه ليس يرضيني

نصحت لكنّ لي قلباً ينازعني
فلو ترحّلت عنه حلّه دوني  

لألزمن وطني طوراً تطاوعني 
قود الأماني وطوراً فيه تعصيني








.......،