الأحد، 6 سبتمبر 2015

فنون الشعر الأندلسي التقليدية (الرثاء+ الحكمة + الزهد )

3- الرثاء

يشرح الكاتب بداية أن الرثاء يشبه المدح إلا أن المدح يكون في حياة الشخص والآخر بعد مماته ويقال على الوفاء، فقد يُكتب الرثاء كردٍ للحق أو الجميل أو يكون سجية وفطرة إذا فجع الشاعر بأقرب الأحباب والأصفياء.

- قد يأتي الرثاء فينفصل عن المدح بغير ما كان أو ما جرى مجراها مثل أنه لا يصف فلانًا أنه جواد، لكن يقال : ذهب الجود ، أو من للجود بعده.

- وقد يكون الرثاء بذكر بكاء الأشياء التي كان الميت يزاولها في حياته أو يُعرف بها مثال: < بكتك الأرامل والمساكين >.

- من عادة العرب ألا يرثوا قتلى الحروب لأنهم إنما خرجوا ليُقتلوا.

- وفي الإسلام من طرق الرثاء الجمع بين التهنئة والتعزية وقد اختصوا في تعزية الخلفاء الذين ولوا بعد أبيهم ، فأول من بدأ بهذا هو عبدالله بن همام السلولي حين عزى وهنأ يزيد بن معاوية بعد موت أبيه.



اصبر يزيدُ فقد فارقتَ ذا مِقةٍ 
واشكر حباء الذي بالملك حاباكا 


وقد اقتفى الأندلسيون أثر المشارقة والعرب القدماء في الرثاء ، وتختلف اتجاهات مراثي الأندلسيين تبعًا لنزعة كل شاعر وعلاقته بالشخصيات التي يعرَض لها بالرثاء:

- فهناك اتجاه ينبع من العقل أكثر من القلب، فتكون من منظور عقلي لتخفيف المصاب على المصابين وضرب الأمثال والعظات والصبر وأن هذه الدنيا هي دار فناء وأنها زائلة ، ومن ذلك ما قاله ابن عبدون في رثاء الوزير الفقيه أبي مروان بن سراج :

ما مِنكَ يا مَوتُ لا واقٍ وَلا فادي
الحُكمُ حُكمُكَ في القاري وَفي البادي   

يا نائِمَ الفِكرِ في لَيلِ الشَبابِ أَفِق 
فَصُبحُ شَيبِكَ في أُفُقِ النــّهى بادي 

سَلني عَنِ الدَهرِ تَسأَل غَيرَ إِمَّعَةٍ 
فَأَلقِ سَمعَــكَ وَاِستَجمِع لِإيــــرادي   

نَعَم هُوَ الدَهــــرُ ما أَبقَت غَوائِلُهُ
عَــــلى جديسٍ وَلا طســمٍ وَلا عــــادِ 

 وَأَسلَـمَت لِلمَنايا آلَ مَسلَمَـــةٍ 
وَعَبـــَّدَت لِلـرَزايــــا آلَ عَـــبّــــادِ 



- وهناك اتجاه لرثاء الملوك وبعض أفراد أسرهم وهي لا تعدو كونها أداء حقٍ أو واجب ويغلب عليها طابع التكلف وهي ضعيفة من العاطفة.



- والاتجاه الأجمل والذي تتجلى فيه العاطفة الصادقة ، وترى فيها أثار الحزن والفجيعة ، وهي مراثي الأهل والأصفياء ، مثال ذلك رثاء المعتمد بن عباد لولديه الذين قتلا غِيلة وهو سجين:



يَقُولونَ صَبراً لا سَبيلَ إِلى الصَبرِ 
سَأَبكي وَأَبكي ما تَطاوَل مِن عُمري

هَوى الكَوكَبانِ الفَتحُ ثُمَّ شَقيــــــقُه 
يَزيدُ فَهَل بَعدَ الكَواكِب مِن صَبرِ

أَفَتحٌ لَقَد فَتَّحتَ لي بابَ رَحـمَةٍ 
كَما بِيَزيدِ اللَهُ قَد زادَ في أَجــري 

هَوى بِكُما المِقدارُ عَنّي وَلَـم أَمُت 
وَأدعى وَفيّا قَد نَكَصتُ إِلى الغَدرِ 

تَوَلَيتُما وَالسنُّ بَعدُ صَغيــــرَةٌ 
وَلَم تَلبثِ الأَيّامُ أَن صَغَّرت قَدري

فَلَو عُدتَما لاخترتُما العودَ في الثَرى 
إِذا أَنتُما أَبصَرتُمانيَ في الأَســرِ

يُعيدُ عَلى سَمعي الحَـــــــــديدُ نَشيجه 
ثَقيلاً فَتَبكي العَينُ بالحسّ وَالنَقرِ 

مَعي الأَخَوات الهالِكات عَلَيكُــما 
وَأمّكما الثَكلى المُضَرّمة الصَدرِ 

أَبا خالِدٍ أَورَثتَــني البَثَّ خالد 
أَبا النَصرِ مُذ وُدّعتَ وَدَّعني نَصري 

وَقَبلكُما ما أَودَعَ القَلــبَ حَسرَةً 
تُجَدّدُ طولَ الدَهرِ ثكلُ أَبي عَمرِو 


4- الحكمة 

يذكر الكاتب شعراء الحكمة في العصر الأول و اشعارهم ثم ينتقل الى العصر الأندلسي فيجد أن أهل المغرب قد اقتفوا أثر المشارقة وفاقوهم فيه، وذكر أنه " قل أن نجد في غير الأندلسيين من استطاع أن يطوع الفلسفة للشعر والشعر للفلسفة ، وكان بذلك شاعرًا فيلسوفًا "

ومن الأمثلة على الحكمة قول يحيى بن الحكم الغزال حكيم الأندلس وشاعرها:

أَرى أَهلَ اليَسارِ إِذا توفوا 
بَنوا تِلكَ المَقابِرَ بِالصُخورِ 

أَبَــــوا إِلّا مُباهــــاةِ وَفَخراً 
عَلى الفُقراءِ حَتّى في القُبورِ 

فَإِن يَكُنِ التَفاضُلُ في ذُراها
فَإِنَّ العَدلَ فيها في القُعورِ   

رَضيتُ بِمَــــن تَأَنَّقَ في بَناءٍ 
فَبالَغَ فيهِ تَصريفُ الأُمورِ

أَلَمّا يُبصِـــــروا ما خَرَّبَتهُ الدُهــ
ــــــــــورُ مِنَ المَدائِنِ وَالقُصورِ 

لَعَمــرُ أَبيهِمُ لَو أَبصَـروهُم 
لَما عُرِفَ الغَنِيُّ مِنَ الفَقيرِ

وَلا عَرَفوا العَبيـــدَ مِنَ المَوالي 
وَلا عَرَفوا الإِناثَ مِنَ الذُكورِ

وَلا مَن كان يَلبِسُ ثَوبَ صوفٍ 
مِنَ البَدَنِ المُباشِرِ لِلحَريرِ 

إِذا أَكَـلَ الثَـــــرى هَذا وَهَذا 
فَما فَضلُ الكَبيرِ عَلى الحَقيرِ 


5- الزهد

خامس فن شعري يتحدث عنه الكاتب هو الزهد ، وهو قيمة إسلامية خالصة في العصر الإسلامي، لكن ساعدت الفتوحات الإسلامية واختلاط الناس إلى أن يتسرب إلى الزهد الإسلامي شيء من زهد الديانات الأخرى كالمسيحية، ولأسباب عديدة ذكرها الكاتب يرى أن الزهد أكثر ما كان انتشاره في العراق.

وقد امتد الزهد إلى المغرب الإسلامي حيث كانت النفوس مهيأة لمثل هذا الفن ، بحكم ثقافتهم الدينية، وقد فاقوا أهل المشرق في شعر الزهد من حيث غزارته ومعانيه.

مثال ذلك الأبيات المشهورة للطرطوشي: 

إن لله عبادا فطنـــــــــــا 
طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا 

نظروا فيها فلما علموا 
أنها ليست لحي وطنـا 

جعلوها لجة واتخــذوا
صالح الأعمـال فيها سفنا 
  

ويعرج الكاتب من الزهد فيذكر التصوف في الشعر الأندلسي ويصنف التصوف إلى قسمين : زهد وحب إلهي، فالتصوف أعم من الزهد فكل تصوف زهد وليس كل زهدٍ تصوفًا ، والتصوف شعرٌ مؤول ، لا يُقصد ظاهره دائمًا ، فله معانٍ مخبأة فيما يقصده الشاعر .

مثل قول ابن العربي: 

يا من يراني ولا أراه
 كم ذا أراه ولا يراني

فلما أُنكر عليه قال : 

يا من يراني مجرما 
ولا أراه آخـــــــــــــــذا 

كم ذا أره مُنعـــــــــــما 
ولا يراني لائـــــــــــذا 


......،