الاثنين، 7 سبتمبر 2015

فنون الشعر الأندلسي التقليدية (الاستعطاف أو الاعتذار ، الهجاء ، المجون)

 6- الاستعطاف أو الاعتذار

يتحدث الكاتب عن الاستعطاف، وأنه فنٌ قديمٌ من فنون الشعر ، معانيها تدل على احتجاج صاحبها على براءته مما نسب إليه ، وليستميل قلب من يستعطفه ويذكره فيما كان منه من ولاء ومحبة، ولا ريب أن المغاربة قد اقتفوا أثر هذا الفن من المشارقة ، وأشهر شعراء الاستعطاف أبو الحسن جعفر المصحفي ، وابن عمار، وابن زيدون ، وأبي عبدالله البجالي.

ومثال ذلك قصيدة ابن عمار في الاستعطاف للمعتمد:

سجاياك إن عافيت أندى وأسمح
وعذرك إن عاقبت أجلى وأوضح

وإن كان بين الخطتين مزية
فأنت إلى الأدنى من اللَه أجنح

حنانيك في أخذي برأيك لا تطع
عداتي وأن أثنوا علي وافصحوا

وماذا عسى الأعداء ان يتزيدوا
سوى أن ذنبي واضح متصحح

نعم لي ذنب غير أن لحلمكم
صفاةً يزل الذنب عنها فيسفح

وإن رجائي أن عندك غير ما
يخوض عدوي اليوم فيه ويمرح

ولم لا وقد أسلفت وداً وخدمة
يكران في ليل الخطايا فيصبح؟

وهبني وقد أعقبت أعمال مفسد
أما تفسد الأعمال ثمة تصلح؟



7- الهجاء

يتطرق الكاتب بداية بوصفِ الهجاء عند العرب بمقولته "العرب أمة أخلاق لم تُضعِفها الحضارة ، ولم يذهب بخشونتها الترف والنعيم، لذلك يرى العربي نفسه خُلُقًا محضًا " ، لهذا نرى أن تنافسهم إنما يكون على الأخلاق ومن هذا التنافس ظهر الهجاء، وأغلبُ الهجاء يكون في الخُلُق ، ويُقسم صاحب الذخيرة ابن بسام الهجاء لقسمين: 

- قسمٌ يسميه العربُ هجو الأشرافِ لا يعدو أن يكون توبيخـًا وتعييرًا كقول الحُطيئة في هجاء الزبرقان بن بدر:

دعِ المكارِمَ لا ترحل لبُغيتها ***واقعُد فإنكَ أنت الطاعِمُ الكاسي

وقد أوجعه ألا تبلغ مروءته عند الشاعر أكثر من أن يأكل ويلبس!!

- القسم الثاني من الهجاء هو السِباب الذي أحدثه جرير وطبقته، وكان جريرًا ممن أطال الهجاء، وهناك من كان إذا غضب وأراد أن يهجو صفق بيديه وتفل عن يمينه ويساره كبشار بن برد ، وهناك من الشعراء من قتلهم شعرهم كابن الرومي.



أما الهجاء عند الأندلسيين فله عدة اتجاهات :

1) هجاء الفقهاء المرائين، مثل قول ابن الأبيض:

قل للإمام سنا الأئـــــمةِ مالك
نور العيون ونزهةِ الأسمــــاعِ

لله درُّكَ من إمام ماجــــــــد 
قد كنت راعينا فنعـــم الراعي

فمضيت محمودَ النقيبةَ طاهرًا 
وتركتنا قنصاً لشر سبـــــاعِ

أكلوا بـــكَ الدنيا وأنت بمعــزلٍ 
طاوي الحشا متكفت الأضلاعِ

تشكوك دنيـــــا لم تزل بك برةً
ماذا رفعت بها من الأوضـاعِ


2) اتجاه آخر يمثل هجاء المرابطين:

مثل قول اليكي:

في كُلِّ مَن رَبَطَ اللِّثامَ دَناءةٌ 
وَلَـــــو انَّهُ يَعلو عَلى كيوانِ

لا تطلبن مرابطًا ذا عفـــة
واطلب شعاع النــار في الغدران

3) اتجاه ثالث يتمثل في هجاء الملوك والحكام ، وإن كان أقرب إلى النقد الاجتماعي:
نادِ الملوكَ وقلْ لهم ***ماذا الذي أحدثتمُ

أسلمتم الاسلام في ***أسر العدا وقعدتمُ

وجب القيام عليكم ***إذ بالنصارى قمتمُ

لا تنكروا شق العصا ***فعصا النبي شققتمُ

4) اتجاه يُذكر بشعراء العباسيين من حيث طول القصيدة وطبيعة الهجاء، من ذلك هجاء أبي الصلت أمية بن عبدالعزيز لثقيل :

لي جليس عجبت كيف استطاعت ***هذه الأرض والجبال تقله

أنا أرعاه مكرهًــا وبقلــــبي ***منه ما يُفلِقُ الجبالَ أقله

فهو مثل المشــيب أكره مــرآه ***ولكن أصونه وأجله


5) وآخر اتجاهات الهجاء ، هو الاتجاه الفاحش المليء بالقذف والسباب ، مما يؤذي المشاعر، ويبعث على الاشمئزاز، وممن تورط في هذا اللون من الهجاء : أبو بكر المخزومي هجاء الأندلس، ومن النساء نزهون بنت القلاعي، وولادة بنت الستكفي!





8- المجون (خلطُ الجِد بالهزل)

يعرف الكاتب المجون بقوله: " هو خلطُ الجد بالهزل، وصلابة الوجه، وقلة الاستحياء، وعدم مبالاة الإنسان بما يصنع أو يقول ، والماجن عند العرب هو الذي يرتكب المقابح المردية، والفضائح المخزية، ولا يمضُه عذل عاذله ، ولا تقريع من يُقرِعه".

ويرى الكاتب أن هذا الفن لم يكن له أثر في عصر الأمويين لأنه كان عصر فتوحات وغزوات وبناء وتشييد، وكان الحماس والوازع الديني قويًا في النفوس، لكن بدأ دخول اللهو والمجون مع فتور الوازع الديني بعد عصر ملوك الطوائف.

وقد أفرط بعض شعراء الأندلس في المجون إلى حد المجاهرة بالزندقة والاستهتار بالدين، وبعضهم كان سببًا في قتله، وبعضهم وصل إلى حد التجرؤ على تصوير العُهر والفسق بغير وازع من دين أو خلق، نسأل الله السلامة !

ومن الأمثلة على القصائد الهزلية القصيدة الطويلة الطريفة لأبي عبد الله الأزرق، منها هذه المقاطع:

من منقذي أفديه من ... ذا الجوع والتمسكن
وعلة قد استوى ... فيها الفقير والغني
هل للثريد عودةٌ ... إليّ قد شوقني
تغوص فيه أنملي ... غوص الأكول المحسن
وللأرزّ الفضل إذ ... تطبخه باللّبن
وللشواء والرقا ... ق من هيامٍ أنثني

***

إيهٍ خليلي هذه ... مطاعمٌ لكنني
أعجب من ريقك إذ ... يسيل فوق الذقن
هل نلت منها شبعاً ... فذكرها أشبعني
وإن تكن جوعان يا ... صاح فكل بالأذن
فليس عند شاعرٍ ... غير كلام الألسن
يصوّر الأشياء وهـ ... ي أبداً لم تكن
فقوله يريك ما ... ليس يرى بالممكن
فاسمح وسامح واقتنع ... واطو حشاك واسكن
ولننصرف فقصدنا ... إطراف هذا الموطن !


.....،